الفصل الرابع

ما ان دلف فهد الى منزله حتى توجه لغرفة المكتب وقام بفصل جهاز الحاسب المحمول ووضعه في حقيبته بالاضافة الى بعض اجهزة التخزين المختلفة ثم توجه الى غرفة نومه وفتح باب سري في خزانة الملابس والتقط حقيبة تحتوي على بعض الاسلحة ثم رجع الى سيارته وانطلق مسرعاً في طريقه الى منزل لوجين.

 

قابل فهد الشابان على باب المنزلهم وطلب منهم الذهاب الى سيارتهم استعدادا للسفر ثم دخل المنزل ليستطحب لوجين. التقط حقيبتها وصافح علا وترك الفتاتان تتعانقان ووقف على باب المنزل.

 

ما ان خرجت لوجين حتى امسك بيدها ومشى مسرعاً تجاه سيارته وفتح لها الباب ثم وضع حقيبتها في السيارة وذهب تجاه محمد وقال له: رن عليا يا محمد عشان اسجل رقمك وخد جهاز اللاسلكي ده عشان في جزء من الطريق مفيهوش شبكه

محمد: اوامر يا قائد هنمشى قدامك

فهد: لا خليك ورايا ولو لا قدر الله حصل حاجه متقربش بعربيتك اقف و انزل منها وحاول تبعد عنها لو في مكان اامن

محمد متردداً: تمام يا فندم ع فكرة احنا في الفرقة بتاعتك انت وخالي متقلقش علينا

ربط فهد على كتفه ثم اتجه الى سيارته وادار محركها وانطلق مسرعاً. ما ان تحركت السيارة بعض الكيلومترات حتى التفتت له لوجين قائلة: انا مش فاهمة حاجة ومين الاتنين اللي معانا دول

فهد: دول اتنين ظباط ملازمين وجايين عشان يونسونا ف الطريق

لوجين: يا سلام!!

فهد: حاسس بسخرية بس هعديها المرة دي

لوجين: يعني مش هتفهمني؟

فهد: هفهمك عشان اخلص من زنك. لما حصلت اول حادثة انا مخدتش اي رد فعل ولما حصلت الحادثة التانية سيبت الخدمة بس قبل ما اسيب الخدمة كنت جمعت كل المعلومات عن الخلية الارهابية اللي عملت كده وعرفت عملوا كده ليه.

قبل ان يكمل حديثه قاطعته لوجين في اهتمام: ليه؟

فهد: عشان في عملية من العمليات قتلت ابن الزعيم بتاعهم لانه كان بيهدد واحد من زمايلي

لوجين: انت قتلت ناس قبل كده! 

فهد: اه. 

لوجين: انت كنت ظابط فين؟

فهد: كنت ظابط صاعقة/قوات خاصة ثم حرس جمهوري ثم مخابرات حربية ثم وحدة مخصصة لمكافحة الارهاب بتجمع اكفأ الظباط من كل الاسلحة في مدنين كمان بس دي وحدة سرية محدش يعرف عنها حاجة.

هتفت لوجين غير مصدقة: كل ده وانت اصلا مش كبير 

فهد: بيتقال عليا اني كنت ظابط شاطر

لوجين: طيب وبعدين

فهد: لما خرجت من الخدمة عملت خطة وجهزت كل حاجه وقتلت زعيم الجماعة الارهابية دي وسط رجالته واهله زي ما قتلوا خطيبتي قدام عيني. بعدها سيبت القاهرة وجيت هنا بعيد عن الانظار و قررت اعيش حياة طبيعية هادية بس شكلها مش مكتوبالي

لوجين: ليه ايه اللي حصل

فهد: المكالمة اللي جاتلي بتقول انهم عارفين مكاني ومراقبني وهيتحركوا عشان كده قولتلك تعالي معايا

لوجين: اشمعنى

فهد: اي حد مراقبني هيعرف اننا بنقضي وقت طويل مع بعض وده هيخيكي هدف بالنسبالهم عشان يقدروا يوصلولي لو معرفوش

لوجين بخوف: يعني كان لازم اقابلك ونبقى اصحاب ما طول عمرك جارنا ومعرفكش 

ضحك فهد وقبل ان يرد سمع صوت جهاز اللاسلكي يعلن عن بدأ الاتصال فالتقطه ليسمع الرساله فجاءه صوت محمد من الطرف الاخر: من الاشقر الى النمر الاسود

ابتسم فهد: من زمان مسمعتش الاسم ده عاوز ايه يا عم اشقر

ضحك اكرم ومحمد في سيارتهم ثم قال اكرم: في كمين كمان اتنين كيلو يا فندم وعندهم علم بمرورنا حضرتك بس وريهم الكارنيه

فهد: تمام يا اكرم شكرا

 

ظلت لوجين صامته حتى وصول السيارة الى الحاجز الامني فوقف فهد وابتسم وهو يلقي التحية على الضابط المسئول ثم اخرج بطاقة هوية معدنية سوداء اللون من الجيب الداخلي لسترته فوقف الضابط معتدلا وهو يؤدي التحية العسكرية لفهد الذي ابتسم دون ان يردها. امر الضابط احد الجنود بفتح الطريق قبل ان يشير لفهد ان يعبر.

عبرت السيارتان الحاجز الامنى ثم التفت فهد الى لوجين قائلا: لو عاوزة تنامي رجعي الكرسي لورا

لوجين: وهيجيلي نوم ازاي وانا ف عربية مع واحد في ناس عاوزين يموتوه 

فهد: متخافيش مش هيعرفوا

لوجين: يا عم انا مش خايفة عليك انا خايفة ع عمري

ضحك فهد وهو يداعب بيده شعرها قبل ان يلتفت الى الطريق. قبل ان تمضي عشر دقائق نظرت له لوجين قائلة: هو ايه موضوع النمر الاسود ده كمان؟

فهد: ده كان الاسم الحركي بتاعي ايام الخدمة

لوجين: لا ما دي فهمتها لوحدي اشمعنى الاسم ده؟

فهد: عشان اسمر وعشان كنت متميز في القتال بالايد وسريع الحركة. بس ده كان زمان ايام التمارين واللياقة

لوجين: انت كلك مفاجات ومتاكده اني لسه معرفش حاجه عنك

فهد: ده انا كتاب مفتوح يا بنتي!

نظرت له لوجين بسخرية دون الرد ولكن لاح شبح ابتسامة على ووجها قبل ان تدير نظرها الى الطريق.

 

بعد عدة كيلومترات بدأ يحل الظلام على الطريق الجبلي المتعرج مما جعله مهيب المنظر ولا ينير الطريق الى الاضواء الامامية للسيارتين مع ضوء القمر المكتمل.

 

التقط فهد جهاز اللاسلكي وبدأ الاتصال بالشباب: عاملين ايه يا شباب؟

جاءه صوت اكرم: تمام يا قائد. سيادتك تمام؟ محتاج اي حاجه؟

فهد: لا بطمن عليكم عشان متناموش عشان لو محمد زي خاله ممكن ينام وهو سايق عادي 

جاءه صوت محمد ضاحكا: لا والله انا فايق ومركز هو خالي بس اللي جايبلنا الكلام

فهد: هقوله لما اكلمه وهخليه يعلقك

محمد: الطيب احسن يا قائد ده ايده تقيله اوي

ضحك فهد واكرم وقال فهد بجدية: خلي بالكم من الطريق عشان احنا في مكان سهل اوي يتعمل فيه كمين خلي عينكم ع الجبل

اكرم: متقلقش يا قائد انا بمشط المنطقة يمين وشمال طول ما احنا ماشين

فهد: ربنا ييسر ونوصل ع خير 

 

استمرت مسيرة القافلة الصغيرة ساعة اخرى قبل ان يقف فهد بسيارته فجاءة مما جعل محمد يرتبك ولكنه اوقف سيارته ببراعة منقطعة النظير ثم التقط اللاسلكي قائلا: خير يا قائد

فهد: في حد وقف ببندقية قنص الساعه 2 *

التفت محمد واكرم في نفس اللحظة الى الموضع المشار اليه فلاح لهم انعكاس ضعيف للقمر على زجاج منظار البندقية فاغلق محمد اضواء السيارة بتلقائية قبل ان يقول: خليك في العربية يا قائد واحنا هنتصرف

فهد: لا ارجع بعربيتك لورا ببطء وبخط متعرج

محمد: اوامر يا قائد وبدأ بتنفيذ الامر

 

استفاقت لوجين الغافية بعد تلك الوقفة المفاجئة واستمعت للحوار في صمت قبل ان تقول وسيارة فهد ترجع للخلف بدروها: هنعمل ايه؟

فهد: انتي مش هتعملي اي حاجه غير انك هتفكي الحزام و تنزلي تقعدي في الدواسة

لوجين: ايه

فهد بحزم: اعملي اللي بقولك عليه 

ما ان نزلت لوجين الى ارضية السيارة حتى حرك فهد الكرسي الخاص بها الى الامام ليغطيها تماما ثم وقف بسيارته جوار سيارة محمد واكرم وترجل ليدور حول سيارته ويفتح الصندوق الخلفي للسيارة ويسحب منه الحقيبة ذات طابع عسكري.

 

ترجل محمد واكرم وتحركوا تجاه فهد شاهدوه وهو يفتح الحقيبة ويبدأ بتركيب محتواياتها وكانت عبارة عن بندقية قنص متعددة الطلقات مزودة بمنظار رؤية ليلية.

 

محمد: القناص اختفى 

اكرم: لا مختفاش غطى المنظار بتاعه عشان فهم اللي حصل وده يدل انه محترف

فهد: اكيد معاه منظار رؤية ليلة بس نور العربيات خلاه ميقدرش يستخدمه بس دولقتي يقدر

محمد: ايه الخطة يا قائد

فهد: العربية اللي معاك دي اوتوماتيك؟

محمد: اه 

فهد: دور العربية وخليك واخد ساتر. اكرم هات اي صخرة صغير نحطها على الدواسة

 

فهم محمد واكرم ما ينوي فهد فعله فتحركوا في سرعه لتنفيذ الاوامر وتحرك محمد بسيارته ببطء حتى اصبحت في مواجهة مكان القناص كما يذكره ثم التقط الصخرة الصغيرة من اكرم ووضعها على بدال البنزين بعد ان حرك عصا الغيارات الى وضع الحركة الامامية وفي اللحظة الاخيرة ادار ذراع النور الى اقصى اضاءة وابتعد عن السيارة.

 

في تلك اللحظة كان فهد مستعدا ببندقتيه مرتكزا على سيارته وما ان تحركت سيارة محمد للامام حتى لمح مكان القناص وفي اجزاء من الثانية كان قد ضغط الزناد ليدوي صوت الطلقة في الجبل ويعقبه صوت ارتطام مكتوم.

 

جرى محمد واكرم في اتجاه مكان القناص ولكن محمد وقف عند سيارته التي ارتطمت بالصخور فوقفت واكمل اكرم عدوه تجاه مكان القناص وعين فهد تتابعه من خلال منظار بندقيته. 

 

وما ان وصل اكرم الى مكان القناص حتى راه فهد يتمايل الى الجانب مع دوي صوت رصاصة اخرى.

 

جرى محمد الى مكان صديقه ولكنه توقف عندما راى اكرم واقفا يشير له ان كل شئ تحت السيطرة. نزل اكرم الى صديقه وفهد الذي كان قد اعاد بندقيته الى حقيبتها.

 

اكرم: الطلقة خبطت في صخرة قبل دماغه فغيرت اتجاهها وجت في كتفه من فوق 

محمد: ولاد ال ….. بسبع اروح

فهد: لا الطلقة مكنتش محكمة

اكرم: من المسافة دي في الاضاءة دي وبالسرعة اللي اتحركت بيها يا قائد! دي من احسن التصويبات اللي شوفتها ف حياتي

فهد: قناص زيك مينفعش يقول كده

نظر محمد واكرم الى بعضهما البعض قبل ان يقول فهد: هقولك عرفت ازاي بعدين مش وقته اتصل بالشرطة العسكرية يبعتولكم عربية تانية. 

 

قبل ان يرد الشابان ذهب فهد مسرعا ليطمئن لوجين ففتح باب السيارة وازاح الكرسي للوراء قبل ما ينظر لها قائلا: انتي كويسة؟ متقلقيش مفيش حاجه خلاص

نظرت له لوجين مرتجفة دون ان ترد. فامسك بيدها واخرجها من السيارة ولم يترك يدها. قبل ان يقول شئ اخر انفجرت لوجين في البكاء من فرط الخوف والانفعال. حاول فهد ان يهدئها ولكنها لم تهدأ والقت بنفسها بين ذراعيه وظلت تبكي لبضع دقائق قبل ان تستطيع ان تسيطر على انفعالها وتبتعد عنه في خجل قائلة: انا اسفة بس انا كنت خايفة اوي.

ابتسم فهد وحاول ان يطمئنها قائلا: متعتذريش محصلش حاجة المهم انك كويسة

ابتسمت لوجين في خجل قبل تقول: انا هبقى كويسة لما اروح البيت

فهد: باذن الله نوصل وتبقى زي الفل خليكي جوه العربية دلوقتي 

هزت راسها موافقة وهي تدلف الى السيارة وتغلق الباب خلفها.

 

ذهب فهد الى محمد وساله عن الشرطة العسكرية واخبره محمد بانهم في الطريق. قبل ان يكملا حديثهما قاطعمها اكرم وهو يناول هاتفه المحمول لفهد قائلا: سيادة اللواء عاوز حضرتك 

 

التقط فهد الهاتف ووضعه على اذنه ليستمع الى محدثه ولم يتحدث مطلقا حتى انهى الطرف الاخر حديثه فرد فهد بجملة واحده: اوامر يا فندم وانهى الاتصال قبل ان يعيد الهاتف لاكرم الذي نظر له متسائلا.

 

قال له فهد: في عربيتين شرطة عسكرية على بعد دقايق انتم الاتنين هتاخدوا عربية وهنكمل طريقنا وكل الكماين الجاية هتكون عارفة اننا هنعدي وعارفين ارقام العربيات ومش هنقف لحد ما نعدي النفق بعدها هيقابلنا عربية فيه رجالة من الجهاز هيكملوا معانا الطريق و في عربية حراسة تحت البيت عندي دلوقتي. 

 

محمد: تمام يا قائد بس بعد اذن حضرتك اول ما نعدي النفق نقف في اي مكان اجيب منه قهوة وسجاير عشان بعد اللي حصل ده محتاجهم 

ابتسم فهد وهو يناول كل منهم سيجارة قائلا: ومين سمعك يا بني انا ممكن اعمل اي حاجه عشان كوباية قهوة دلوقتي وقبل ما نتحرك افتكر تاخد من عربيتي علبة سجاير 

ابتسم الشابان وجاءت سيارة الشرطة العسكرية واكمل فهد ورفاقه رحلتهم كما هو متفق عليه ولم تتحدث لوجين طول الطريق الى ان وصلوا امام باب منزلهم.

لوجين: شكراً ع التوصيلة وياريت متتكررش تاني وحاولت ان تبتسم بسخرية ولكن ابتسامتها خرجت غير مكتملة وعصبية

فهد: حمدلله ع السلامة. انا بعتذرلك انك حضرتي موقف زي ده بس كان اامن انك تبقى معانا ع انك تبقي لوحدك ف دهب

لوجين: فاهمة قصدك يلا سلام 

فهد: سلميلي ع طنط وجوجو لحد ما اشوفهم 

صعدت لوجين الى منزلها و وقف فهد مع محمد واكرم ومعهم شابين اخرين فبدأ فهد الحديث قائلا وهو يربط على كتف اكرم ومحمد: مش عارف اشكركم ازاي على اللي عملتوه النهاردة

ابتسم الشابين وقال محمد: احنا معملناش حاجة يا قائد سيادتك لو كنت لوحدك كنت هتعمل كل حاجه بردو

اكرم: مظبوط يا فندم. 

ابتسم فهد ثم نظر للشابين الاخرين وهو يمد يده ليصافح اولهم: فهد الشناوي 

ابتسم الشاب قائلا: غني عن التعريف يا قائد. انا الملازم على الشاعر وده زميلي الملازم ياسين مكرم

ابتسم الشاب الثاني وهو يصافح فهد بدوره

 

فهد: تعالوا يا شباب نشرب اي حاجة وتريحوا شوية 

 

اعتذر الاربع شباب في ادب ورحل اكرم ومحمد في حين ركب علي وياسين سيارتهم ليكملوا مهمتهم في مراقبة البيت.

 

دلف فهد الى منزله المكون من طابقين وحديقة متوسطة الحجم وتوجه الى المطبخ ليصنع كوب من القهوة يراجع مجريات الرحلة وتعصف به الذكريات المؤلمة قبل ان يذهب للنوم ليستريح قليلاً من افكاره قبل ان يريح جسده.